وبينما كانت عائلتي تتجمع حول النار لحماية نفسها من البرد القارس في غزة، شاركنا جميعا آمالنا للعام الجديد. في حين أن كل واحد منا لديه رغباته الخاصة، هناك شيء واحد واضح: لا أحد منا يستطيع تحمل سنة أخرى مثل هذا.
بقلم إسراء أبو قمر، 30 ديسمبر 2024
قبل بضعة أيام، في إحدى ليالي شهر ديسمبر الباردة، قررت أنا وعائلتي إشعال النار لتدفئة أنفسنا، حيث لا توجد كهرباء لتشغيل أجهزة التدفئة في غزة، وذلك منذ أكثر من عام. اجتمعنا حولنا، وأعدنا إبريق الشاي وأخرجنا آخر فتات الخبز لنأكله، وتجمعنا حول النار. كانت هذه اللحظة مناسبة لإجراء محادثات مكثفة، وكان شاغلنا الرئيسي هو ما إذا كان من الممكن التوصل إلى هدنة في النهاية. هل ستدعم الإدارة الأمريكية الجديدة غزة وتتخذ خطوات لإنهاء الحرب؟ هل يمكن أن ينتهي هذا الكابوس قبل حلول العام الجديد، مما يتيح لنا فرصة لبداية جديدة دون مزيد من إراقة الدماء؟
استغرقت بضع دقائق للهروب من الواقع وترك مخيلتي تتجول. تخيلت ليلة أستطيع أن أنام فيها بسلام، بعيدًا عن الضجيج المستمر للطائرات الإسرائيلية بدون طيار والرعب الناتج عن الاستيقاظ على انفجار قذائف المدفعية في مكان قريب. ولم يعد علي أن أعيش في خوف دائم من فقدان والدي أو إخوتي عندما يذهبون إلى المسجد أو السوق. سأجد السلام أخيرًا، حتى لو فات الأوان. قطع أفكاري صوت الماء المغلي. سكبت ستة أكواب من الشاي وأضفت السكر، على الرغم من أنني لا أفضّل ذلك عادة. وكما يقول والدي دائماً: ألا تكفينا مرارة الحياة؟ هل نحن حقا بحاجة لشرب الشاي المر؟ »
وبينما كنا نرتشف الشاي الأسود الساخن، سألتهم: “إذا حدث وقف لإطلاق النار، ماذا ستفعلون؟” ما هي خططك لسنة جديدة خالية من الدماء؟ » أجابت أختي البالغة من العمر 11 عاماً بحماس: “أريد أن أذهب إلى المدرسة وأقابل أصدقائي”. أريد أن أجد أساتذتي وأعود إلى صفي.”
تتوافق تطلعات أختي للعام المقبل مع ما أعلنته وزارة التربية والتعليم: سيتم استئناف نظام التعليم في يناير 2025. ومع ذلك، سيتعين على الطلاب مواصلة دراستهم عبر الإنترنت وليس شخصيًا، كما نأمل ونتمنى جميعًا ذلك، نظرًا دمار كبير في المؤسسات التعليمية. وتمتلئ المدارس الأخرى بالعائلات النازحة التي فقدت منازلها أو تم إجلاؤها قسراً، ولجأت إلى مكان آمن. وأصبحت هذه المدارس، التي كانت في السابق مراكز للتعلم، ملجأ لأولئك الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه، مما أخر آمال الطلاب في العودة إلى فصولهم الدراسية وحياتهم الطبيعية.
أخي حسن، الذي يبلغ الآن 18 عامًا، كان يحلم دائمًا منذ الصغر بالسفر إلى الخارج لدراسة الهندسة واستكشاف العالم. أحلامه وطموحاته الآن تعتمد بشكل كامل على فتح المعبر الحدودي. وفي عام 2025، يأمل حسن أن يواصل دراسته في الخارج ويضمن عدم خسارة عام آخر.
وعلى الرغم من الواقع القاسي الذي نواجهه، إلا أن عزيمة حسن لا تتزعزع. وكثيرا ما يقول إن التعليم هو المفتاح لإعادة بناء ليس حياتنا فحسب، بل أيضا بلدنا. كلماته تلهمني أن أبقى متفائلاً، حتى عندما يبدو الأمل ترفاً بعيد المنال.
أثناء جلوسنا حول النار، شارك كل واحد منا أحلامه للعام المقبل، رغم أنها قد تبدو صغيرة للعالم الخارجي، ولكنها هائلة بالنسبة لنا. أما بالنسبة لوالدي، فقد كانت أحلامهما بسيطة ولكنها مؤثرة بعمق. قالت والدتي إنها تتمنى فقط أن تطهو لنا وجبة لذيذة، وتشاهدنا نأكل حتى نشبع، وتشاهد الفرحة على وجوهنا ونحن نتذوق كل قضمة. وافق والدي على ذلك، مضيفًا: “أحلم بعام لا يضطر فيه أحد في هذه العائلة إلى النوم جائعًا”.
خلال الحرب، أصبح من الصعب للغاية الحصول على الغذاء. إن النقص والارتفاع الكبير في الأسعار ومخاطر المغامرة بالخارج للحصول على الضروريات الأساسية جعلت من العثور على وجبة صراعًا يوميًا. لقد مرت ليال لا تعد ولا تحصى حيث ذهبنا إلى الفراش جائعين، وكان الفراغ في بطوننا بمثابة تذكير قاسٍ للمصاعب التي تحملناها.
ومن ناحية أخرى، فإن الأعباء الأخرى والأحلام المكسورة تثقل كاهل قلوبنا. جدتي، على سبيل المثال، غادرت منزلها في رفح منذ أكثر من سبعة أشهر. رغبته الوحيدة هي العودة إلى منزله، حتى لو كان في حالة خراب، فقط ليشعر بألفة مساحته الخاصة مرة أخرى. لكن رغبتها العميقة هي أن تجد بناتها – عماتي – تحت سقف واحد. طوال الحرب، كانوا مشتتين، وانتقل كل منهم إلى مواقع مختلفة، غير قادرين على لم شملهم. تحلم جدتي بسماع صدى ضحكاتهم عبر المنزل مرة أخرى، ورؤيتهم مجتمعين حولها، يتشاركون القصص ويعيدون الحياة إلى ما كان منزلهم.
وسط كل الأحلام والتطلعات التي سمعتها من عائلتي، وجدت نفسي أفكر فيما أتمناه في العام الجديد. هناك الكثير من المشاريع والأهداف التي كنت أتمنى تحقيقها في عام 2024، ولكن تم تأجيلها جميعها. أحلم بالعودة إلى جامعتي – أو حتى أطلالها – فقط لأعيد اكتشاف متعة الحياة الجامعية، ولو قليلاً. أحلم بالسير في شوارع غزة مع أصدقائي، كما كنت أفعل من قبل. لقد بدأت تعلم القيادة وأردت أيضًا الحصول على رخصة القيادة الخاصة بي. على الرغم من عدم وجود الكثير من الشوارع التي لم تمسها، إلا أن هذا أيضًا ما أحلم به. ولكن ربما أكثر من أي شيء آخر، ما أريده الآن هو ببساطة الأمان! أعيش حياتي بسلام وهدوء مع عائلتي، بعيداً عن الخوف المستمر. أريد أن تتحقق كل آمال عائلتي الصغيرة، وأتمنى ألا نتحمل عامًا آخر مثل هذا.
إسراء أبو قمر طالبة أدب إنجليزي وكاتبة من غزة.
الترجمة: JB لوكالة الإعلام الفلسطينية
المصدر: موندويس